أخر تحديث : الجمعة 16 دجنبر 2022 - 6:55 مساءً

معاناة النساء المغربيات بإسطمبول

بتاريخ 16 ديسمبر, 2022
معاناة النساء المغربيات بإسطمبول

سماسرة غرروا بطالبات وعاملات قصد استغلالهن في السخرة والدعارة

لم تعد تركيا كما كانت المغربيات يتصورنها وكما عرفناها عبر المسلسلات التركية، بل صدم العديد منهن عندما حططنا الرحال بها ووجدن أنفسهن في مفترق الطرق وتحت رحمة سماسرة لا قلب ولا دين لهم، سوى البحث عن كيفية الحصول على المال، من خلال إرغامهن على بيع لحمهن، وتسخيرهن لخدمتهم. فتيات في عمر الزهور وأخريات في عقدهن الرابع والخامس، زج بهن في براثن القهر والعهر والفجر. في هذه الورقة تصريحات لضحايا السخرة والسمسرة، تم التغرير بهن والاتجار فيهن.

عبرت العديد من النساء اللواتي التقتهن جريدة عبدالة الجهوية، عن خيبة أملهن بعد اكتشاف الوجه الحقيقي لسوق الاستغلال والاتجار في البشر منذ وطء أقدامهن لمدينة إسطمبول التركية. تحدث البعض منهن عن الاستغلال البشع في الدعارة والبعض الأخر عن معانتهن في سوق الشغل لدى الأتراك، فيما بسط البعض الثالث معاناة الطالبات في سبيل استكمال دراستهن.

نساء للزواج
تتحدث عائشة وهو اسم مستعار لسيدة مطلقة بدون أبناء، بحرقة عن معاناتها بسبب الحكرة التي مورست عليها وتقول: “تعرفت على سيدة تقطن بتركيا بعد عودتها إلى المغرب محملة بهدايا وزعتها على معارفها، وجرهما الحديث عن رغبتها في العمل بتركيا، فأخبرتها عن استعدادها لاصطحابها معها إلى إسطمبول والبحث لها عن عمل يليق بمؤهلاتها..”. فرحت عائشة وشرعت في تهيئ نفسها للانتقال إلى بلاد الأتراك وبدأت ترسم في مخيالها جملة من الأحلام الوردية، وتحدثت مع والدتها، التي لم تكن موافقة على سفرها، بل وطلبت منها البقاء إلى جانبها والرضا بما قسمه لها مولاها.
وتضيف عائشة أن السيدة أخبرتها بموعد السفر وهيأت جواز سفرها ووفرت مبلغا ماليا لزوم إقامتها وتلبية حاجياتها قبل الحصول على عمل. وفوجئت أثناء حلولها بتركيا أن فرص العمل التي كانت تحلم بها ضعيفة جدا وأن الموجود منها لا يناسبها. وانتظرت السيدة وقتا ملائما كفيلا بتطويع عائشة لقبولها لعرضها المتمثل في تزويجها برجل تركي ميسور.
لم تجد عائشة بدا من قبول العرض بعدما تأكدت أن فرص العمل التي كانت تحلم بها لن تتحقق. واضطرت للموافقة على الزواج، لكن صدمتها كانت كبيرة، لما انتقلت للعيش مع الزوج وأهله، إذ لم يكن سويا، بل كان يعاني من عدة أمراض، ووجدت نفسها توافق على زواج مصلحة لخدمة زوج فاقد للأهلية، وعملت ممرضة ومعينة له على تحقيق حاجياته.
وانتفضت ضد هذه الوضعية ولامت الوسيطة التي أخذت مقابل جرها إلى هذه المهزلة، وبذلت مجهودات كبيرة في سبيل الانفصال عن رجل عاجز بكل المعاني. واتصلت بالقنصلية وبمحامين مغاربة وحاربت طواحين الهواء قبل أن تتمكن من فك الارتباط بعد تهديد عائلة الزوج بارتكاب جريمة في حقهم.
وتحكي نعيمة وهي سيدة في الثلاثين من عمرها عن معاناتها مع وسيطة، توسطت لها في الزواج بتركي ووعدتها بالعيش في ظروف جيدة، لكنها فوجئت بها تفوتها لرجل مسن يقطن بإحدى بوادي تركيا على بعد أكثر من 200 كيلومتر من إسطمبول. حاولت التأقلم مع ظروف زوجها وعائلته، لكنها لم تتوفق، فهربت والتحقت بجمعية اليد في اليد التي تترأسها مغربية، وتمكنت من العودة إلى المغرب نادمة على الدخول في مغامرة غير محسوبة.

رقص ودعارة
الفرق بين العاملات في المراقص والحانات وسفن العبور عبر البوسفور وبين النساء المغرر بهن للزواج من أتراك عاجزين أو مرضى، هو أن الفئة الأولى تأتي إلى تركيا برغبتها لأنها كانت تعلم منذ البداية بنوعية العمل الذي ستقدم عليه، سيما وأنها متعودة عليه حتى بالمغرب.
لكن هناك فئة تقع ضحية وعود من قبل سماسرة سوريين أو أكراد، يشتغلون ضمن شبكات منظمة ظاهرها عمل شريف بالمتاجر والمقاهي ومعامل النسيج، وباطنها استبداد واستغلال وابتزاز للعمل في الدعارة. والفرق بين الفئة الأولى والثانية، التي تقع ضحية نصب واحتيال، أن الأخيرة لا تقبل بهذه الشروط وسرعان ما تتخلى عنها أو ترفضها في البداية رغم الإكراهات والمساومات.
واستمعت الجريدة لعدد من الضحايا اللواتي وقعن في براثن البغاء المنظم، وسقطن في أوحاله، سيما أن منهن من حملن في ظروف سيئة ووضعن أطفالا هم أكبر الضحايا سيما وأن السلطات التركية لم تعد تسمح لهن بتسجيلهم، فاضطررن إلى التردد على قنصلية المغرب بإسطمبول لإيجاد حل لهؤلاء الأطفال.
فتيحة فتاة في عقدها الثالث، وجدت عقد عمل بمقهى ومطعم راق باقتراح من وسيط تركي، لكنها لما التحقت بإسطمبول، والتقت به ظل يماطلها ووعدها بتسلمها العمل عما قريب، قبل أن يسلمها لسيدة سورية للإقامة معها في شقة مفروشة، وكانت صدمتها كبيرة بعد اكتشافها حقيقة العمل، إذ تم نزع جواز سفرها وإجبارها على المكوث بالشقة ومنعها من الخروج ووضع نفسها رهن إشارة زبائن السيدة السورية.
وأكدت فتيحة أنها لم تستسغ أبدا امتهان أقدم مهنة في العالم، إذ لو كانت من أولئك الفتيات، لفعلت ذلك في بلدها وهو أهون من بلاد الغربة. واضطرت إلى خوض حرب دائمة مع صاحبة الشقة التي كانت تفوت البنات لسماسرة الليل، وهددتها بقتل نفسها، وأصرت على موقفها رغم العنف التي تعرضت له، واضطرت إلى إخلاء سبيلها.

خادمات بالمتاجر
تتعدد معاناة النساء المغربيات اللواتي حططن الرحال بإسطمبول، كثير منهن صدمن لما انقشع الضباب واتضحت الرؤيا أن وجه تركيا الحقيقي والخالي من المساحيق، مخالف تماما لما يتم تسويقه بالمسلسلات والأفلام السينمائية. سعاد طالبة حاصلة على الماسترز، قدمت إلى إسطمبول لمواصلة دراستها، لكنها لم تجد ما كانت تحلم به، فوجدت نفسها وبطرقها الخاصة تنخرط في العمل وساعدها في ذلك إتقانها للغة التركية وحصلت على عمل مكنها من فرض ذاتها إذ أصبحت في ظرف وجيز مسؤولة عن قسم التوريد والتصدير لأكثر من 25 دولة بالعالم. تقول للصباح، “فرص العمل بالمغرب أفضل بكثير من تركيا، والدراسة بالجامعات المغربية أفضل ولها آفاق أرحب من نظيراتها بتركيا”. وأضافت، “لا أنصح الطالبات المغربيات بالمجيء إلى تركيا من أجل الدراسة، إن كن يتوفرن على عقود عمل واضحة ومضبوطة، فأهلا وسهلا وإلا لا داعي للمغامرة لأنهن سيجدن أنفسن في متاهات هن في غنى عنها”.
الجريدة وأثناء زيارتها لمتاجر ومقاه ومطاعم، صادفت العديد من الفتيات المغربيات اللواتي يعملن في ظروف مزرية تتسم بالقهر والاستغلال والدونية. يشتغلن 12 ساعة في اليوم بمبلغ لا يتجاوز 5 آلاف ليرة أي حوالي 3 آلاف درهم مغربية، لا تكفيهن ولا توفر لهن أبسط شروط الحياة مما يدفع العديد منهن إلى قبول انخراطهن في أعمال أخرى تحط من كرامتهن.

جمعية اليد في اليد
تحدثت الجريدة إلى رئيسة جمعية اليد في اليد، السيدة خديجة سلمان وهي امرأة مغربية نذرت وقتها لمساعدة المغاربة والمغربيات في وضعية صعبة. وأكدت أنها تعمل بتنسيق مع جمعية تركيا وعدد من المحسنين على تقديم يد العون والمساعدة للنساء في وضعية صعبة واللواتي وقعن ضحايا الاستغلال البشع للسمامسرة.
وأوضحت السيدة سلمان وهي مغربية تتحدر من أولاد افرج وتنشط في العمل الجمعوي، في تصريح للصباح، أن النساء اللواتي لا يتوفرن على تصريح الإقامة ولا يتقن اللغة التركية ولا يتوفرن على دبلومات ولا على عقود عمل قانونية ولا على عقود زواج مصادق عليها من القنصلية المغربية، أفضل لهن المكوث بالمغرب لأن المشاكل والمعاناة التي يلاقونها بتركيا لا تعد ولا تحصى.
ونبهت النساء الراغبات في الزواج من أتراك، إلى ضرورة الحرص على أن تتم العقود بالمغرب قبل السفر ونبهت العائلات والأسر المغربية إلى التعامل مع هذا الموضوع بحدر وحيطة وأن لا تلقي بفلذات أكبادها إلى المجهول، مشيرة إلى أن السلطات التركية، قررت عدم منح رخص الإقامة للأجانب وعدم السماح بتسجيل الأطفال المولودين خارج نطاق الزواج مما يدفع بالعديد من الأمهات العازبات إلى العيش في أتون البغاء والدعارة.
ودعت المغربيات القادمات إلى تركيا الحرص على الأقل على توثيق ما يسمى ب”نكاح سرايا”، وهو زواج يتم على الطريقة التركية، يتم وفق القوانين والشروط التركية المنظمة للزواج بالأجانب، قبل أن يتم تسجيله بالقنصلية المغربية، لضمان حقوقهن في حالة الطلاق.

حلول ترقيعية
وبسط ميمون بامسعود الكاتب العام لجمعية اليد في اليد في تصريح للجريدة، بعضا من المشاكل التي تتخبط فيها النساء المغربيات، مشيرا إلى أنهن يقعن ضحية سمامسرة أغلبهم من النساء، يقبضن مبالغ مالية مهمة من رجال أتراك، أغلبهم يعمل في العصابات والمافيا الدولية، نظير حصولهم على فتيات ونساء مغربيات بمواصفات معينة ومنتقاة.
وأضاف بامسعود أن هناك نوعان من الزواج، الأول يتم توثيقه تركيا ثم تتم المصادقة عليه من قبل القنصلية المغربية وهناك زواج غير شرعي يتم بالفاتحة ويشكل الغالية العظمي، إذ يقدر ب80 في المئة، وفي ظل عدم وجود وثائق تثبت علاقة الزواج بالأتراك وعدم توفر الأم على الإقامة التركية التي تتيح لها الاستفادة من بعض الحقوق كالولادة بالمستشفى وحصولها على وثيقة تتيح لها تسجيل طفلها فيما يسمى “النفوس” أي باسمها كأم عازبة، تجد الأم صعوبة في تسجيل طفلها حتى من قبل القنصلية المغربية لأنها لا تتوفر على أية وثيقة تثبت علاقة الطفل بها.
وبما أنها لا تتوفر على وثيقة “الكيملك”، أي الإقامة، فإنها تتعرض للإقصاء والتهميش ولا يتم الاعتراف بابنها مما يقف حائلا أمام سفرها رفقة ابنها لأنه لا يتوفر على جواز سفر. وأضاف بامسعود أن جمعية اليد في اليد تسعى إلى حصر الأمهات والأطفال ضحايا الزواج المشترك، ورفع الأمر لدى إدارة الهجرة والحكومة التركية ووضع نسخة من التقرير نفسه أمام القنصلية المغربية بإسطمبول والسفارة المغربية بأنقرة لاتخاذ إجراءات وتدابير كفيلة بحفظ وصون حقوق النساء المغربيات من الذل والهوان.
إنجاز: أحمد ذو الرشاد (إسطمبول)